نرى في مناسبة السابع عشر من ديسمبر هذه السنة أكثر من سابقاتها تدوينات تبكي مآل “ثورتنا” بنبرة تغلب عليها المرارة والإحباط واليأس! … وذلك شعور ينتابنا جميعا من حين لآخر.
خاصة وأن القوم متأثرون بما حصل اليوم من نجاح للثورة السورية في إسقاط نظام الطاغية بشار. وإننا إذ نبارك لإخواننا بهدم عرش الظالم بعد تضحيات جسام فإننا نتمنى لهم النجاح في ما ينتظرهم من البناء، وهي عملية صعبة ومعقدة وتحدياتها أكثر مما يخطر على البال.
لحظة 17 ديسمبر 2010 لم تكن الأولى من نوعها في تونس فقد سبق البوعزي بإضرام النار في جسده المروكي في بوسالم وعبد السلام تريمش في المنستير وغيرهما وعقبت وفاتهما تحركات كبيرة خاصة في المنستير لكنها لم تتوسع.
وقبل ذلك أحداث الحوض المنجمي وبنڨردان وغيرها من الهزات أو الانتفاضات. فكان ما حصل في سيدي بوزيد من انتفاضة شعبية عقب حادثة البوعزيزي تراكما وبناء على ما سبقه.
وإذا اعتبرنا بناء على ما سبق أن الثورة لحظة في التاريخ عابرة فإنه يصدق القول بالنظر إلى ما آلت إليه “ثورتنا” إن الثورة قد فشلت وقبرت وانتهت. وأما إن اعتبرنا أن الثورة مسار في التاريخ قد يمتد عدة سنوات أو عقود، فيها انتكاسات ومنعرجات، فإنه يمكن القول إن الأمل باق وليس هينا أن تقبر أشواق أجيال ونضالاتهم، وعقد كامل من الحرية.
ينبغي اليوم لمن كان من صناع الثورة ووقودها أن لا ينشر اليأس، بل الأولى به يراجع نفسه ويقيم مساره فيما اخطأ هو أو جماعته أو حزبه.
ووجب أن يكون لدينا الجرأة الكافية في الحديث عن الإخفاقات وأسبابها خاصة تلك الإخفاقات التي أتت ممن يحسبون على صف الثورة، وأما خذلان الثورة من أعدائها فالشيء من مأتاه لا يستغرب ومن الحماقة توقع غير ذلك منهم.
وعلى الذين يغبطون السوريين اليوم – بما حققوا – عليهم أن يستفيدوا من الدرس السوري.
ثوار سوريا صبروا صبرا عظيما رغم التضحيات الجسيمة في الأرواح والممتلكات لم ييأسوا ولم يسلموا ولم يعترفوا بالهزيمة.
والأهم من ذلك كله أنهم تجاوزوا جراحاتهم وخلافاتهم واتحدوا لتحقيق هدفهم رغم ما سبق بينهم من خلافات بلغت حد الاقتتال المسلح الذي أزهق عديد الأرواح.
لا بد للنصر من أمل وكما يقول الأستاذ العطار رحمه الله:
“لابد لليل أن ينزاح غيهبه … ويشرق الفجر بعد الظلم والظلم!
اليأس في ديننا كفر ومنقصة …. لا ينبت اليأس قلب المؤمن الفهم”!
ولا بد من وحدة وتجاوز للخلافات مهما كانت كبيرة. رغم أنه بالنظر إلى خلافاتنا التونسية نراها في أغلبها ناتجة عن تفاهات إيديولوجية حمقاء أو “أنوات” متضخمة وجب ترشيدها أو تحييدها! وخلافات التونسيين فيما بينهم أشبه ما تكون بالخلافات الأسرية إذا قارناها بخلافات شعوب أخرى!
وحين يدرك كل الحمقى من الأحزاب المختلفة والتيارات السياسية أنهم جميعا خذلوا “الثورة” – وإن بأقدار متفاوتة – ربما يمكنهم أن يصححوا المسار بعيدا عن التنافي والتباغض ومنطق “أنا” أو ليكن بعدي الطوفان!!
لن يموت الأمل في نجاح ثورتنا التي كانت يوما ما ملهمة للشعوب التائقة للتحرر ومحل إشادة من “الشعوب الحرة”!
“وقادم النصـر نحـيـاه ونلمسـه الله أكـده فـالـنصـر آتـيـنا
وقد يكـون بنا والعـمر منفسـح وقد يكون بأجـيـال توالـيـنـا
فإن ظفرنا فقد نلـنا مطـالبـنـا وإن هـلكنـا فإن الله جازيـنـا” (العطار)
طه البعزاوي
17 ديسمبر 2024